كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله تعالى: {والذي أوحينا إليك} اختار الإسم الموصول (الذي) عندما ذكر شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يقل {وما أوحينا إليك} لأن (الذي) أعرف وأخصّ من (ما) التي تشترك في المفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث. وقد بيّن تعالى شريعتنا وعرفناها فجاء بالأعرف (اسم الموصول الذي)، لا نعلم على وجه التفصيل ما وصّى الله تعالى نوحًا وعيسى وموسى وإبراهيم لذا اختار سبحانه (ما) اسم الموصول غير المعرّف.
مثال آخر: قال تعالى في سورة لقمان: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)} وقال في سورة إبراهيم {وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)} في الآية الأولى أكدها بـ (إن) بقوله: {فإن الله غني حميد} وغني نكرة وحميد نكرة. أما في الآية الثانية فأكّد بـ (إن) واللام {فإنه لغني حميد}. وفي سورة لقمان أيضًا قال تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)} باستخدام الضمير (هو) والتعريف {الغني الحميد} أما في سورة الحج {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)} زاد تعالى اللام على الضمير المنفصل (لهو) لماذا؟
في الفرق بين آية لقمان الأولى وآية سورة إبراهيم نجد أن الثانية آكد من الأولى لأنه ذكر اللام. في آية سورة لقمان ذكر تعالى صنفين أي جعل الخلق على قسمين: من شكر ومن كفر، ومن كفر بعض من الناس. أما في آية سورة إبراهيم {وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)} افترض كُفر أهل الأرض جميعًا لذا جاء قوله: {فإن الله لغني حميد} أعم وأشمل. إن تكفروا تحتاج إلى الإستمرار وتحتاج إلى التوكيد فكان التوكيد أنسب من الآية الأولى. في سورة آل عمران {فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} باستخدام صيغة الماضي وفي آية سورة إبراهيم {وإن تكفروا} بصيغة المضارع. فعل الماضي بعد أداة الشرط مع المستقبل يفترض الحدث مرة واحدة أما فعل المضارع فيدلّ على تكرار الحدث.
واستخدام صيغة الماضي والمضارع في القرآن كثير مثل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)} [النساء] وقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} النساء أي كلما سنحت له الفرصة قتل وهذا دليل التكرار لذا جاء الفعل بصيغة المضارع. وكذلك في قوله تعالى: {ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه} صيغة المضارع لأن الشكر يكون في كل لحظة على كل نعم الله أما {ومن كفر} جاء بصيغة الماضي لأن الكفر يحصل مرة واحدة فقط. وقال تعالى: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37)} [محمد] سؤال متكرر لأن سؤال الأموال متكرر فجاء الفعل بصيغة المضارع، وقال تعالى: {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)} [الكهف] السؤال حصل مرة واحدة فجاء بصيغة الماضي.
قال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)} النساء المعروف أن التبشير بالشيء الحسن أما هنا فجاء التبشير من باب السخرية والتهكم منهم. كما في قوله تعالى أيضًا: {ذُق أنك أنت العزيز الكريم} العزيز الكريم من باب التهكم والسخرية.
- لماذا نصب {دينًا} في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)} الأنعام؟ النصب يدخل في باب التخصيص بالمدح.
- قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)} الرعد على ماذا يعود الضمير في ترونها؟ قسم يقول إنها عمد غير مرئية بمعنى بغير عمد مرئية وقسم قال بغير عمد ثم استأنف ترونها بمعنى ترونها مرفوعة بغير عمد. هناك تعبيرات قطعية وتعبيرات ظنيّة وهذه الآية تحتمل المعنيين.
- ما الفرق بين {استطاعوا} و{اسطاعوا} في سورة الكهف {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)}؟ هذه من الحذف للتقليل من الفعل كما ذكرنا سابقًا. استطاعوا تحتاج إلى جهد لنقب السدّ أما اسطاعوا فهي للصعود على ظهره وبالتأكيد أن إحداث نقب في السد المصنوع من الحديد والنحاس أشدّ من الصعود على ظهره ويستغرق وقتًا أطول فحذف من الفعل الذي مدته أقل وذكر في الحدث الممتد.
تذكير الفعل أو تأنيثه مع الفاعل المؤنّث.
قال تعالى: {ولا تكونوا كالذين جاءهم البينات} وقال تعالى: {وما كان صلاتهم عند البيت} وقال تعالى: {قد كان لكم فيهم أسوة حسنة}.
هناك خط بلاغي في القرآن الكريم حول هذا الموضوع وقد أُثير في عديد من الأسئلة خلال الحلقات ونذكر منها ما جاء في تذكير وتأنيث الفعل مع كلمة الضلالة والعاقبة وكذلك مع كلمة الملائكة وكذلك مع كلمة البيّنات. وقلنا باختصار أنه:
تذكير الفاعل المؤنث له أكثر من سبب وأكثر من خط في القرآن الكريم. فإذا قصدنا باللفظ المؤنّث معنى المذكّر جاز تذكيره وهو ما يُعرف بالحمل على المعنى. وقد جاء في قوله تعالى عن الضلالة: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)} الأعراف وقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)} النحل. ونرى أنه في كل مرة يذكر فيها الضلالة بالتذكير تكون الضلالة بمعنى العذاب لأن الكلام في الآخرة {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)} [الأعراف] وليس في الآخرة ضلالة بمعناها لأن الأمور كلها تنكشف في الآخرة. وعندما تكون الضلالة بالتأنيث يكون الكلام في الدنيا فلمّا كانت الضلالة بمعناها هي يؤنّث الفعل.
وكذلك بالنسبة لكلمة العاقبة أيضًا تأتي بالتذكير مرة وبالتأنيث مرة، وعندما تأتي بالتذكير تكون بمعنى العذاب وقد وردت في القرآن الكريم 12 مرة بمعنى العذاب أي بالتذكير والأمثلة في القرآن كثيرة منها قوله تعالى في سورة الأنعام: {قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)} وسورة يونس {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ (73)} و{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)} الأعراف و{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)} الصافّات المقصود بالعاقبة هنا محل العذاب فجاء الفعل مذكرًا. وعندما تأتي بالتأنيث لا تكون إلا بمعنى الجنّة كما في قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37)} القصص وقوله تعالى في سورة الأنعام: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)}.
تذكير كلمة شفاعة مرة وتأنيثها مرة أخرى في سورة البقرة: قال تعالى في سورة البقرة: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ (48)} وقال في نفس السورة {وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ (123)}.جاءت الآية الأولى بتذكير فعل {يقبل} مع الشفاعة بينما جاء الفعل {تنفعها} مؤنثًا مع كلمة الشفاعة نفسها. الحقيقة أن الفعل {يقبل} لم يُذكّر مع الشفاعة إلا في الآية 123 من سورة البقرة وهنا المقصود أنها جاءت لمن سيشفع بمعنى أنه لن يُقبل ممن سيشفع أو من ذي الشفاعة. أما في الآية الثانية فالمقصود الشفاعة نفسها لن تنفع وليس الكلام عن الشفيع. وقد وردت كلمة الشفاعة مع الفعل المؤنث في القرآن الكريم في آيات أخرى منها في سورة يس: {أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ (23)} وسورة النجم: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)}.
وكذلك كلمة {البيّنات} فإذا كانت بمعنى العلامات الدالة على المعجزات أنّث الفعل وإذا كانت بمعنى الأمر والنهي وحدّ الله والدين ذكّر الفعل هناك حكم نحوي مفاده أنه يجوز أن يأتي الفعل مذكرًا والفاعل مؤنثًا. وكلمة {البيّنات} ليست مؤنث حقيقي لذا يجوز تذكيرها وتأنيثها. والسؤال ليس عن جواز تذكير وتأنيث {البيّنات} لأن هذا جائز كما قلنا لكن السؤال لماذا؟ لماذا جاء بالاستعمال فعل المذكر {جاءهم البيّنات} مع العلم أنه استعملت في غير مكان بالمؤنث {جاءتهم البيّنات}؟
جاءتهم البيّنات بالتأنيث: يؤنّث الفعل مع {البيّنات} إذا كانت الآيات تدلّ على النبوءات فأينما وقعت بهذا المعنى يأتي الفعل مؤنثًا كما في قوله تعالى في سورة البقرة: {فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)} والآية {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (213)} و{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)}، وقوله في سورة النساء {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا (153)}.
أما {جاءهم البيّنات} بالتذكير: فالبيّنات هنا تأتي بمعنى الأمر والنهي وحيثما وردت كلمة البيّنات بهذا المعنى من الأمر والنهي يُذكّر الفعل كما في قوله تعالى في سورة آل عمران: {كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)} و{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} وفي سورة غافر {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66)}.
وقد يكون التأنيث للكثرة والتذكير للقلة كما في قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا} وقوله تعالى: {وقال نسوة في المدينة}. ونقول أن هذا الأمر جائز من حيث الجواز اللغوي وليس في هذا شيء لكن السؤال يبقى لماذا اختار تعالى التذكير في موضع والتأنيث في موضع آخر؟ ونأخذ قوله تعالى: {جاءكم رسول} بتذكير فعل جاءكم، وقوله تعالى: {جاءت رسل ربنا} بتأنيث فعل جاءت. ونلاحظ أنه في الآية الأولى كان الكلام عن جميع الرسل في جميع الأمم من آدم إلى أن تقوم الساعة وهذا يدل على الكثرة فجاء بالفعل مؤنّثًا للدلالة على الكثرة. أما في الآية الثانية فالخطاب لبني إسرائيل ولزمرة منهم وفي حالة معينة أيضًا وهذا يدل على القلة فجاء بالفعل مذكّرًا.
التذكير مرة والتأنيث مرة مع الملائكة في القرآن الكريم: قال تعالى في سورة ص: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73)} وجاءت الملائكة هنا بالتذكير، وفي سورة آل عمران {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (39)} جاءت الملائكة بالتأنيث.
الحكم النحوي: يمكن أن يؤنّث الفعل أو يُذكّر إذا كان الجمع جمع تكسير كما في قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا} {وقال نسوة في المدينة} فيجوز التذكير والتأنيث من حيث الحكم النحوي.